الأحد، 3 يوليو 2011

طريق الأحزان بقلم الدكتورة: مرفت محرم

طريق الأحزان
بقلم الدكتورة: مرفت محرم
................................
أسمال بالية تتهدل على جسد شبحي، يسير نحو المقابر في جنازة انفرادية، على قدمين نحيلين بخطى منهكة...
رغم رهبة الموقف؛ استجمعت شجاعتي واقتربت، لم تَحُل عتمة الغروب دون الرؤية الواضحة:
إنها سيدة لا يتجاوز عمرها العقد الثالث، إلا بعقد حاجبين، وشحوب وجه، وذبول عينين، وبياض شعر، وقرون بؤس، وأحقاب حزن...
لم تُعر وجودي اهتماما؛ فنظراتها متجهة صوب المجهول، وخطاها تقودها نحو حفرة عميقة، صنعها اللصوص لإخفاء مسروقاتهم...
ـ يا إلهي
هكذا صرخت حين شاهدتها تلقي بنفسها فيها، ثم تتمدد، وتغمض عينيها، وتتمتم بالشهادة في وهن.
قبل أن أرى دموع فراقها؛ جرفني نحوها سيل الألم، ولهفة المعرفة، ورغبة المساعدة.
ألقيت سترتي على جسدها المرتعش، طمأنتها:
ـ أختاه، أتدفنين نفسكِ بالحياة؟!
شرعت نافذة عينيها للفضاء، وتبسمت ابتسامة بلهاء، وراحت تقص شريط معرض ذكرياتها:
اللوحة الأولى:
طفلة تبحث بين الأنقاض عن لعبتها التي فقدت، تجدها، تنطلق فرحة بها، تنادي على أمها:
ـ أماه... الحمد لله؛ وجدتها يا أماه...
تربت على كتفها الضعيف أيادي الجيران، وتصوب نحو وجهها البريء نظرات شفقة...
اللوحة الثانية:
صبية تنهكها زوجة والدها في أعمال المنزل، وأب تنهكه بالعمل خارجه...
اللوحة الثالثة:
فتاة تحلم بفارس أحلامها؛ فيزوجونها لعجوز يفترسها، ثم يرحل، مبقيا تركته المثقلة في بطنها...
اللوحة الرابعة:
امرأة فقدت عائلها، وتعول طفلتها، سلكت الطريق الحلال ـ الذي لا تعرف غيره ـ  تبيع بضاعتها لنساء الحي، وفي زمن الحرب، كسدت تجارتها، تعسرت في سداد ديونها...
اللوحة الخامسة:
(خائنة أمانة) يقتادونها إلى السجن لتقضي عقوبتها، توصي جارتها خيرا بابنتها، تقبلها، وتمضي تاركة معها قلبها...
اللوحة السادسة:
شبح يخرج من باب السجن، يتجه نحو البيت بشوق العودة، ورؤية الإبنة، فتعلم أنهم زوجوها وهي طفلة لثري خليجي، مات عنها، وانقطعت أخبارها...
حينئذ أدركت حقيقة مأساتها؛ مددت يدي إليها لتنهض معي، لكن شمسها غربت. 

كيميا التغيير بقلم: د.مرفت محرم

كيميا التغيير
بقلم: د.مرفت محرم

ضاق صدره بالحنين للوطن، وفاضت أبحاثه بالنتائج المهمة في مجال علاج أمراضه المتوطنة؛ فحان موعد لقاء الدكتور صلاح مع محبوبته التي قضي عشر سنوات في الغربة لأجل عيونها، ساعيا للقضاء على المعاناة الصحية لأبنائها، بغية استعادة حسنها وبهائها، وحلاوة روحها وخفة دمها، تلك الروح اللطيفة الفكهة المرحة، الطيبة المسالمة الوديعة، التي اشتاق إليها اشتياق المتيم لمعشوقته.

ما أن وطأت قدميه أرض الوطن حتى استقبلته شمسها الساطعة؛ لتزيح عنه برودة الغربة التي جمدت أوصاله وشراينه؛ فأحسنت استقباله بالدفء والحنان، والتحية والابتسام.
غير أنه لاحظ تغير سمت الوجوه؛ فأضحت باهتة ابتسامتها، زائغة نظراتها، تائهة أفكارها؛ كاد يسأل شقيقه الذي كان في انتظاره، فلم يجبه، ومضى بصحبته ليستقلا السيارة في طريقهما إلى البيت.

لم ينتبها لمن كانوا يراقبوهما من بعيد، أثناء نزولهما من السيارة وإنزالهما للحقائب والأغراض؛ فقد شغلهما استقبال (لوسي) للعائد الحبيب، ومرافقتها له حتى دخل بخطى رشيقة إلى حجرات بيته؛ ليستنشق أريج الذكريات، ويخلد إلى الراحة في أحضان فراشه الوثير؛ ليحلم بالاستفادة من نتائج أبحاثه في القضاء على المرض المتوطن، الذي أودى بحياة والديه منذ سنوات. 

في الصباح راح ينادي عليها؛ اصطدمت عيونه بنظرات شقيقة، الذي صمت، ثم أجهش بالبكاء.
ـ أقلقتني... ماذا دهاها؟!
ـ لقد منعتهم من السرقة؛ فمنعوها من الحياة؛ أطاحوا برقبتها ومزقوا جسدها إربا، ولم يبق إلا الذيل.


حزم الدكتور صلاح حقائبه، وعقد عزمه، على إجراء أبحاث لمحاربة الفيروس الجديد.