الأحد، 6 مايو 2012

الرحمة

الرحمة
بقلم: د.مرفت محرم
(1)
من خلف زجاج النافذة رفع رأسه للسماء الملبدة بالغيوم؛ باحثا عن شعاع شمس يدفء أوصاله التي كادت تتجمد من البرد القارس، ثم عاد إلى فراشه الوثير ليتدثر بأغطيته ويستمتع بحرارة جهاز تكييفه، بجوارة بعض الحلوى وكوب من الحليب الساخن أحضرته للتو زوجته، التي راحت تنادي على  أولادهما للحضور لتناول طعام العشاء ومشروبات المساء...
(2)
نهض من نومه، ارتدى ملابسه الثقيلة، ودع زوجته متوجها إلى عمله، وفي الطريق توقف كعادته عند بائع الصحف، ولم يلق بالا بتلك الطفلة الهزيلة بثيابها المهلهلة البالية والتي كانت على بعد خطوات متكومة على بضاعتها من المناديل الورقية لتحميها من المطر...  
أزاح بماسح زجاج سيارته مياه الأمطار التي بدأت تتساقط بغزارة، وتدفعه للسير برفق كي لا تتعرض السيارة للانزلاق...
(3)
بعد يوم طويل من العمل المضني، حان موعد عودته لبيته، امتدت يده إلى علبة المناديل ليخرج منديلا؛ فتحرك على الفور شريط المشهد الصباحي لتلك الطفلة الصغيرة؛ فانطلق من فوره، مسرعا نحوها...
توقف قلبه بعد أن توقفت سيارته قبالة الرصيف الذي كانت تجلس عليه؛ التفت يمنة ويسرة، متسائلا عنها؛ اقتربت منه سيدة عجوز وأجابته:
ـ لقد قضت إثر نزلة برد حادة...
أصابته الدهشة وبدا عليه الحزن الشديد؛ فسألته عن سر اهتمامه بأمرها؛ فأجابها:
ـ (الرحمة)... تأخرنا عنها؛ فسبقنا إليها.