الاثنين، 3 فبراير 2014

عودة الروح: بقلم د.مرفت محرم



عودة الروح: بقلم د.مرفت محرم

تن..
تن..
تن..
أيقظته من شرود ذهنه ساعة الحائط، بعقربيها الكبير والصغير، المشيران باتحادهما نحو هدف واحد، هو إعلان انتصاف الليل، وميلاد يوم جديد.
تنهد بعمق ليزيح من فوق صدره صخرة الضجر والضيق، من ليل طال ونهار يأبى المجىء، ويستقبل يوم عيد ميلاد ابنه، بما يليق من سعادة وفرح.
ـ صباح الخير، أما زلت متيقظاً يا أبي؟
ـ نعم يابني، أردت أن أكون أول المهنئين لك
ـ بل نهنىء الشعب كله.
هرش رأسه، ورمقه باندهاش وتعجب:
ـ نبارك للشعب كله، بعيد ميلادك؟!
أطلق ضحكة عالية استيقظت على إثرها أمه، التي اقتربت في لهفة، وهي تحاول أن تزيل آثار النوم من عينيها، لتستقبل الخبر في شوق:
ـ خير يا فؤاد؟! ربنا يسعدك، قل وفرحنا معك  يا بني.
ـ اليوم موعدي مع حبيبتي، سألتقيها وجهاً لوجه، وأعتذر لها عن سنوات الهجر....
ـ يبشرك بالخير يا بني، ابنة من التي وقع عليها اختيارك؟
ـ ابنة النيل...
تبادلت مع زوجها إشارات الريبة والقلق، وهمست:
ـ ربنا يكملك بعقلك يا فؤاد، استبدل ثياب نومك بثياب خروجك، وسأحضر لك طعام العشاء، لتأكل وتنام، والصباح رباح،  تكون ارتحت يا ضي عين أمك.
ـ أنام؟! أنام؟! لقد نمنا كثيراً وتركناهم ينهشون لحمها، ويهتكون عرضها.....
ـ يا طيبة قلبك! أتريد الزواج من واحدة ....
ـ لا لا لم أتحدث عن زواج، إنما عن حب بلا حدود، لأجمل البلاد...
طفرت الدموع من مآقيهما، واحتضناه، فتوحدت نبضات قلوبهم هتافاً من الأعماق:
مصر.. مصر .. مصر
لم ينتبهوا للطرقات العنيفة على الباب، فقد كانت نبضات قلوبهم أقوى وأشد
ـ افتحوا يا أموات
فزعت الأم وانطلقت مسرعة:
ـ حاضر، حاضر يا ياسر يا بني
ما كادت تفتح الباب حتى دفعه بقوة فارتطم بوجه أمه، ودخل دون أن يلقي بالا بوالده وأخيه .
همست الأم داعية له:
ـ ربنا يهديك يا بني، قادر ياكريم.

استأذن فؤاد والده ووالدته للدخول إلى غرفته، حيث جهاز الحاسوب، وترتيبات الإعداد للثورة على النظام الفاسد، وواعدهما أن يوقظهما قبيل الفجر.

ما كادا يفرغان من الصلاة في المسجد القريب، حتى عادا، بعد أن ودعا(الشيخ علاء) الشقيق الأصغر لفؤاد، والذي يقضي كل وقته في المسجد دون عمل، متعللاً بتقسيره الخاص لقول الحق جل في علاه(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)


ركب مبروك حصان النخوة، واندفع به نحوه، ليسأله بلا استئذان: من أين يأتيه الطعام، بل والمال الذي يمنحه بسخاء لمريديه؟! 


انتفض الجمع من فورهم، متوجهين نحو السائل الجرىء، والشرر يتطاير من عيونهم، وكادوا يفتكون به؛ إلا أن(الشيخ) هدأ من روعهم، ونصحهم بالرفق واللين، مع كل معتوه غشيم.



ولأن لكل سؤال إليه؛ رد عليه من القرآن الكريم، فقد نطق بلسان مبين:

ـ (يرزق من يشاء بغير حساب)
فصاح الحضور بالتهليل والتكبير، ووجوههم تنضح بالبشر والسعادة، طالبين منه الإعادة.

في بداية يومه، تركوا الشيخ ليكمل نومه، غير أنه سمع جلبة في الخارج، نظر من كوة في المسجد؛ فوجد أفواجاً من البشر تموج بهم الشوارع، حاملين أعلام مصر، مرددين الهتافات المنددة بالفساد، ومطالبين بتغيير النظام.

تهلل وجهه بشراً، وانتظر نصراً تتحقق به أمانيه، ويأتي نظام جديد، يصبح عضواً فيه، غير أنه كمن كمون الذئب كعادته فارداً فرشته، منتظراً فرصته للقنص، مؤثراً انتظار لحظة الانتصار، التي إن جاءت نال منها نصيب، وإن لم تصب ظل هنا في مكان آمن بعيد.

في الميدان دار صراع بين النور والظلام، بين الحق والباطل، بين العدل والجور، استخدم الحق حقه، واستخدم الباطل بطشه

شباب يرفعون اللواء، يسقطون برصاصات الغدر؛ فيتصدى غيرهم للأوغاد، وتعزف القلوب لحن الوفاء للوطن، لم يكن فؤاد بمنأى عن المكان، يحمل الضحايا ويداوى المصابين، ويثير الحماس في نفوس رفاقه

ومع كل شهيد جديد تنطلق الزغاريد ويتعالى الهتاف، وتتأجج مشاعر الغضب، من حيث أراد الظالم إخمادها.

عيون البلطجية كانت على أبرز النشطاء؛ قنصه أحدهم من الخلف، وعندما سقط على الأرض، وقبل أن تمتد أيادي الثوار لحمله، كانت اليد التي أصابته أسرع منهم، نزع سترته ليضمد بها جرحه، مرددا بأسى وحزن عميق:
ـ أخي فؤاد، سامحني يا فؤاد، ستكون بخير، ستكون بخير
انهمرت الدموع من عينيه، وهو يرافقه إلى المشفي
لم يكن ياسر يعلم أن تلك الإصابة قاتلة؛ فقد نفذت من ظهره مخترقة عضلة القلب.

>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

ـ نُشرت في موقع دنيا الرأى على الرابط التالي: