الاثنين، 10 يناير 2011

كتكوت وأم السعد

كتكوت وأم السعد
بقلم د.مرفت محرم
..............................
ذاع في القرى صيته، وعلا في الآفاق نجمه، حتى أصبح الشيخ مخلوف؛ حديث كل ملهوف؛ فتوافدت على داره ألوف البشر، من ريف وحضر...
(1)
بيت من الطوب اللبن، يعلوه أكوام من قش الأرز والحطب، بابه لا يكاد يغلق في وجه المريدين، الذين اكتظ بهم صحن الدار، فاضطر غيرهم للانتظار خارجه، مرهفين السمع لأوامر (كتكوت) الذي راح يصيح بأعلى صوت:
ـ كل واحد حسب دوره
همهم الجميع بالموافقة:
ـ صحيح يا جماعة النظام حلو...
لم تستطع سحب البخور الكثيفة المنطلقة من الداخل، أن تحجب عن رؤوس المتزاحمين خارجه، حرارة الشمس الحارقة، وهم بين جلوس على حجر، أو وقوف على مضض...
وأم السعد التي حان موعد دخولها، لم يكن حالها كما يوحي به اسمها؛ فما أن صاح كتكوت:
ـ يا الله يا أم السعد دورك هيفوت.
حتى انكمشت إرادتها، واضطرب قلبها، وارتعش جسدها، وتلعثم لسانها:
ـ أي أي أيووه ح ح حاضضر...
(2)
حجرة ضيقة تتسع بالكاد لأريكة صغيرة، وقطعة من حصير يجلس عليها الشيخ مخلوف، وأمامه قصعة بها نار موقدة يذر فيها من حين لآخر الملح والبخور، وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة...
يحدق فيها بعينيه متفحصا، وهي ما زالت واقفة بالباب، في حالة من الخشية والارتياب؛ فيطمئنها بكلمات واثقة، في قدرته على إبرائها، وتخليصها مما تعانيه؛ فيدعوها للاسترخاء التام على الطاولة، ويطلق البخور ويتمتم، ثم يطلق صيحة قوية: بحق هاروت وماروت اخرج أيها الجني من هذا الجسد، واتركه إلى غير رجعة...
ثم بدأت جلسة الضرب الخفيفة بعصاه، التي لقنها بالتعاويذ، واستمرت الجلسة ساعة، ثم أمرها بالنهوض والانصراف، ومنحها موعدا للجلسة القادمة...
(3)
ترددت أم السعد على تلك الجلسات، التي أنهك ضربها قواها، حتى جاء موعدها مع الجلسة الأخيرة، التي أكد الشيخ أنها جلسة الخلاص من هذا اللعين، ومفارقته لجسدها مفارقة أكيدة...
استمر الصراع بين مخلوف والجن العاشق، وهو لاصق بها يرفض الخروج منها؛ فاستعان الشيخ بلسعات من الكهرباء ليضيق الخناق عليه...
هي تصرخ، وهو يدعوها للتحمل، و قد تصبب عرقه، وازداد لسعه له، وحِدتَهُ معه، وظلا في صراع لما يقرب من ساعة كأنها الدهر، حتى جاءت لحظة النهاية: فيخرج الجني من عيني أم السعد، آخذا روحها معه.