الأحد، 15 مايو 2011

طوق النجاة

بقلم: د.مرفت محرم
في شموخ وكبرياء، تتأهب (أحلام) للإبحار من ميناء الأسكندرية إلى ميناء جنوة، كعروس مزدانة بأبهي حللها، رافعة فوق رأسها علم بلادها.
يصوب الركاب أنظارهم نحو السفينة التي ستقلهم، مستمدين من اسمها الخلاب (أحلام) سحر أحلامهم التي ينون تحقيقها، بتلك الرحلة الترفيهية لبلاد العشق والسحر والجمال، وما أن سمح لهم طاقم الباخرة بالصعود؛ حتى اندفعوا اندفاع الصقور نحو الفريسة؛ فكاد البعض يقع نتيجة التدافع، وسقطت بعض الأمتعة، وارتفعت الصيحات والشتائم، وسادت حالة من الهرج والمرج، لم تنته إلا بحضور القبطان للاطمئنان عليهم، والتأكد من عدم تخلف أحد منهم...
ودعت (أحلام) شاطئ أحلامها، على أمل العودة، وانطلقت تمخر عباب البحر، الذي يبادلها عشقا بعشق، وبعد أن ارتفع صوت القبطان بالتحية، ودعاء السفر؛ بدأ البرنامج اليومي؛ حيث صعد معظم الركاب إلى سطح السفينة؛ للمشاركة في فقراتها الترفيهية، وتناول الوجبات والمشروبات، والاستمتاع بجمال الطبيعة؛ جوها البديع، وسحرها الأخاذ... وطيور النورس تهبط وتعلو في أسراب متفرقة تلتقط رزقها، في إخاء وتواد، غير هذا الذي ساد بين العباد وهم على أبواب سفينتهم.
مضى اليوم الأول وأضحوا على مقربة من منتصف المسافة، وكل منهم تتعلق آماله بين شاطئ غادره، وشاطئ يترقب الوصول إليه، وتتوالى الأماني والأحلام، وتنطلق إلى الورقة والقلم؛ فيسجل كل منهم برنامجه القادم وزياراته المرتقبة لمدينة روما...
فجأة يرتفع صوت القبطان، محذرا من عاصفة قوية قادمة من الشمال  مصدرا أوامره  بنزول الركاب إلى كبائنهم؛ هرول الجميع في وقت واحد على ذات النحو الذي صعدوا فيه إلى الباخرة، وهم في حالة من الهلع والارتباك، وماهي إلا لحظات حتى بدأت الأمواج تعلو وتهدد السفينة بالغرق
ـ من الضروري التخفف من الأحمال والأثقال...
هكذا أمر القبطان، وحذر من التوان في الالتزام بما يراه، وهكذا التزم الجميع فألقوا بأمتعتهم وأغراضهم، رغبة في النجاة...  
لكن شيئا ما ظل يثقلها ويساعد على سرعة غرقها؛ انتبه إليه القبطان، ووجه لهم نداءه الأخير:
ـ أفرغوا ما في نفوسكم وقلوبكم من حقد وغل وشر وقسوة، وألقوه في البحر... أسرعوا أسرعوا إنها تغرق إنها تعرق.
فجأة يعلو صوته مستيقظا من قسوة الكابوس اللعين.